بين أزقة المعابد المتهالكة والتماثيل الصامتة، وبين الرمال والمخطوطات، تنهض ذاكرة الشعوب شاهدة على مجموعة من الحضارات التي سادت على هذه الأرض ثم بادت، لكن هذه الذاكرة التي لطالما واجهت خطر النسيان والتلف والسرقة، وجدت في الأرشفة ملاذًا آمنًا أخيراً للبقاء، فعملية أرشفة الآثار ليست مجرد توثيق لقطع حجرية، بل هي بمثابة صراع ضد الزمن، وجهد حثيث لحماية هوية الأمم من الضياع، وفي عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتتفاقم فيه الأخطار، باتت أرشفة آثار الدول ضرورة حتمية، لحفظ ما تبقى من ماضٍ لا يمكن تعويضه، وفي السعودية أخذت السلطات خطوات استباقية في هذا الخصوص فقد أوجدوا السجل الوطني للآثار والذي سنتعرف عليه في هذا المقال.
الآثار في السعودية
من قلب شبه الجزيرة العربية، حيث تترابط الرمال مع الصخور، تحتضن السعودية كنوزًا أثرية تروي حكايات عن حضاراتٍ عريقة تعود إلى آلاف السنين سكنت أرض المملكة، بداية من مدائن صالح، ثاني أهم مواقع الأنباط بعد البتراء، وصولًا إلى الدرعية التاريخية، العاصمة الأولى للدولة السعودية، وجدة القديمة التي تقف شاهدة على عصور مضت، تتنوع هذه الآثار بين قصور وحصون ومنشآت عمرانية، بالإضافة إلى مقتنيات ولوحات ونقوش تعكس تطور الإنسان في هذه الأرض عبر العصور، وفي ظل كل التحديات المعاصرة، تبرز أهمية الأرشفة كوسيلة تحفظ هذا التراث، وتضمن استمراره كجسر يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

ماهو السجل الوطني للآثار؟
السجل الوطني للآثار هو نظام رقمي مخصص من أجل توثيق وأرشفة المواقع الأثرية داخل المملكة، يعتمد هذا النظام على استمارات ميدانية لجمع البيانات، ويربط بخريطة أثرية رقمية تحتوي على معلومات تفصيلية، صورًا، وتقارير شاملة عن المواقع الأثرية والتاريخية المسجلة.
مهام السجل الوطني للآثار
في مشهد متسارع للمحافظة على هوية المكان وذاكرة التاريخ، ينهض نظام السجل الوطني الخاص بالآثار في السعودية بدور محوري في توثيق كنوز المملكة الأثرية، ذلك من خلال تسجيل المواقع الأثرية وإسقاطها بدقة على خرائط رقمية متقدمة، وبذلك يسهل السجل عملية إدارة هذه المواقع ويحميها ويحافظ عليها، غير ذلك يعمل السجل على أرشفة الوثائق والصور المرتبطة بمواقع التراث الثقافي، وبناء قاعدة بيانات مكانية متكاملة تسجل مختلف تفاصيل هذه المواقع، وتوثق الأعمال الجارية فيها.
ولأن صيانة التراث تتطلب قرارات مبنية على معرفة، يوفر السجل الوطني للآثار حلولًا عملية من شأنها إدارة هذا القطاع الحيوي، إضافة إلى معلومات دقيقة تدعم خطط الحفظ والصيانة، مع إتاحة هذه الكنوز المعرفية أمام الباحثين والمختصين، لتبقى آثار السعودية شاهدة على تاريخ لا ينسى.
مراحل عمل السجل الوطني للآثار
ينفذ السجل الوطني للآثار أعماله عبر مرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولى والتي يتم من خلالها تحديد مصادر جمع البيانات، والتي تتنوع لتشمل ثمانية عناصر رئيسية، منها:
- الأبحاث والدراسات الأثرية
- حولية “أطلال”
- قاعدة بيانات مركز الأبحاث والتنقيبات
- أرشيف قطاع الآثار والمتاحف التابع حاليًا لهيئة التراث
- تقارير المعاينة التي يُعدّها المختصون
- الاكتشافات الأثرية
- أعمال المسح الإلكتروني
- المسوحات الميدانية
أما في المرحلة الثانية، فيتم فيها فرز وتصنيف هذه البيانات إلى عشرة أنواع مختلفة منها:
- معلومات عن التعديات على المواقع الأثرية
- مواقع التراث الثقافي
- التنقيبات الأثرية
- مشاريع المسح
- المتاحف
- تقارير المعاينة
- قضايا الاتجار بالتراث
يهدف هذا التصنيف الدقيق إلى تسهيل إدارة المواقع الأثرية والحفاظ عليها بطرق علمية ومنهجية.
اقرأ أيضًا: ما هي أهم الآثار والمرافق في متحف البيت الطيني في تبوك

المواقع الأثرية بالسجل الوطني للآثار
تتولى هيئة التراث، التابعة لوزارة الثقافة، مسؤولية إدارة السجل الوطني للآثار ، وهي الجهة المكلفة بحصر وتوثيق جميع أنواع الآثار في المملكة، والتي تشمل كلًا من الآثار الثابتة والمنقولة، المواقع التاريخية، ومواقع التراث الشعبي، ومنذ تأسيس السجل وحتى شهر نوفمبر 2024، تم تسجيل نحو “9,317” موقعًا أثريًا جديدًا موزعة على مختلف مناطق البلاد، في خطوة تهدف إلى حفظ التراث الوطني وحمايته للأجيال القادمة.
ما هو الموقع الأثري الأول في السعودية؟
مدائن صالح، أو ما يعرف بالحِجر، هي أول موقع أثري في المملكة وهو أيضًا أول موقع يدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، وذلك في عام 2008، يتواجد هذا الموقع في منطقة العلا شمال غرب البلاد، يعود إلى حضارة الأنباط التي ازدهرت في القرن الأول قبل الميلاد، تبرز المدائن قيمتها التاريخية والمعمارية من المقابر المنحوتة في الصخور، والتي تعكس روعة العمارة النبطية ودقتها، الأمر الذي جعلها من أبرز الشواهد على حضارة عربية قديمة ازدهرت في قلب الصحراء.
هيئة التراث
هي الجهة الرسمية المسؤولة عن كافة الأنشطة المتعلقة بقطاع التراث والآثار في المملكة، تتولى هذه الهيئة مهمة حماية هذا القطاع، استكشافه، تاهيله، صيانته، ترميمه، وإدارته بشكل شامل، ويقع تحت مسؤولياتها كلًا من القرى والمدن والأحياء التراثية، والمباني التاريخية، والحرف والصناعات التقليدية، والمعالم الأثرية، إضافة إلى التراث الثقافي غير المادي.
إلى هنا نكون قد قدمنا لك في هذا المقال بعض أهم المعلومات حول السجل الوطني للآثار ومراحل عمله، يمكنك أيضًا قراءة مقالات مشابهة مثل: اكتشف آثار الماضي في متحف الباحة الإقليمي، إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من مقتطفات والمقالات الأخرى المهمة والشيقة، فإننا ندعوك لتفقد مدونة بيوت السعودية والبقاء على اطلاع بكل جديد أولًا بأول.