هل يمكن أن تكشف أعماق البحر عن الصفحات غير المكتوبة في تاريخ المملكة؟ في ظل جهود هيئة التراث السعودية في الحفاظ على التراث الثقافي للمملكة، قامت بإطلاق مركز حماية التراث الثقافي المغمور تحت المياه ، والذي يعد مبادرة رائدة تهدف لاكتشاف وحماية المواقع الأثرية الغارقة في مياه البحر الأحمر والخليج العربي. حيث يحمل هذا التراث أسراراً تعكس الحضارات التي قد عبرت تلك المياه على مر العصور. فكيف يساهم المركز في إعادة إحياء التاريخ البحري للسعودية؟
تأسيس مركز حماية التراث الثقافي المغمور تحت المياه

تم تأسيس مركز حماية التراث الثقافي من قبل هيئة التراث السعودية، وبالتعاون العلمي مع عدد من الجامعات المحلية والدولية، والمتمثلة بجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة نابولي الإيطالية. ويهدف المركز إلى اكتشاف مواقع التراث المغمور بالمياه من خلال تطوير الكوادر الوطنية في مجال الغوص الأثري، إلى جانب مشاركة عدد من البرامج محلياً ودولياً للمحافظة على التراث المغمور بالمياه.
أهداف المركز
يهدف مركز حماية التراث الثقافي المغمور تحت المياه إلى تنفيذ مشاريع التنقيب الأثري للتراث الثقافي المغمور في المياه الإقليمية بالبحر الأحمر والخليج العربي، سواء كان مدفوناً أسفل الرمال أو موجوداً فوق الأرض أو مغموراً بالمياه. ويعمل المركز على رصد وتوثيق المواقع المكتشفة وإجراء الدراسات العلمية المتخصصة لها، مثل الدراسات التاريخية المتعلقة بالطرق التجارية البحرية خلال فترات تاريخية مختلفة.
بالإضافة إلى تطوير وتأهيل الكفاءات الوطنية العاملة، وذلك في مجال التراث الوطني المغمور، ورفع قدرة الهيئة على إدارة هذا المجال الحيوي، والقيام بتنميته واستثماره في المجالات السياحية والبيئية والثقافية. والمساهمة في تنفيذ مشاريع التنقيب الأثري في المرافئ والموانئ التاريخية الواقعة على ساحل الخليج الخليج العربي وساحل البحر الأهمر وتطويرها وتنميتها.
هيئة التراث ترصد مواقع أثرية تحت الماء
رصدت هيئة التراث بالتعاون مع جامعة الملك عبد العزيز ومشاركة فريق من جامعة نابولي من خلال مسح المنطقة ما بين رأس الشيخ حميد وحطام سفينة أملج أكثر من 25 موقع أثري على طول مسار المسح، وذلك ضمن مناطق، رأس الشيخ حميد، الوجه، أملج، ضبا.
واستخدم مركز حماية التراث الثقافي السونار البحري في عملية المسح البحري للمواقع، والتي ينتج عنها خرائط بحرية، وصور عالية الدقة لجميع المواقع، وخرائط الموزاييك. ويتم تجميع وتحليل بيانات المسح البحري من خلال استخدام عدة أنواع من السونار، حيث أن لكل نوع وظيفة معينة، مثل السونار البحري متعدد الموجات، وأجهزة التحكم عن بعد للأعماق التي تزيد عن 40 متراً، وأجهزة المسح الجانبي.
استخدام تقنية الفوتوغرامتري
تقوم الهيئة بتصوير المواقع باستخدام تقنية الفوتوغرامتري ثلاثي الأبعاد عالي الجودة، وتقنية الفيديو، بالإضافة إلى عمل مخطط دقيق لحطام السفن، مع تحديد مواقع النقاط المرجعية الثابتة، وذلك باستخدام نظام GPS، وانتشال القطع الأثرية التي قد تتعرض للضرر، والقيام بالكشف عن أجزاء الحطام بأدوات وأجهزة العمل الأثري.
التراث المغمور تحت مياه البحر – حطام سفينة أملج

تم استخراج المئات من الخزف المصنوع من البورسلان الصيني في سفينة أملج، حقوق الصورة محفوظة لموقع مؤسسة المحيط
شهدت منطقة حطام السفينة مسحاً أثرياً، والذي كشف عن حطام سفينة تعود لأكثر من 100 عام. وقام مركز حماية التراث الثقافي المغمور تحت المياه بعملية تنظيف سطح الحطام الظاهر فوق سطح البحر، وعثر بجانبه على تل مكون من الفخار المتراكم بفعل سقوط حمولة السفينة، وقد جرى تنظيفه. إلى جانب عمل محبس اختباري بمساحة 2 متر.
وتم استخراج المئات من الخزف المصنوع من البورسلان الصيني، حيث تم العثور على بعض منها مكتمل وسليم. ومن خلال دراسة ومقارنة الأشكال، تبين وجود العديد من الزخارف والأشكال الدالة على ثراء إنتاجه، وتم العثور على عدد من المعادن المختلفة، وأنبوب غليون، وقطعة جوز هند.
نتائج المسح
من أهم النتائج التي خرجت بها الهيئة بالتعاون مع مركز حماية التراث الثقافي ، بأنه تم تغطية مساحة أربعمائة كيلو متر من الجزء الشمالي للبحر الأحمر، وتم مسح وتوثيق أكثر من 25 موقعاً تراثياً مغموراً بالمياه. إلى جانب الحصول على إحداثيات محدثة للمواقع المغمورة باستخدام نظام GPS، وإنتاج خرائط موزاييك، خرائط بحرية، وصور وفيديوهات عالية الجودة لكافة المواقع. وقد تم انتشال القطع الأثرية المعرضة للضرر، وأخذ بعض العينات للدراسة، واختيار عدد من المواقع التي يمكن فتحها لهواة الغوص بعد ذلك تحت إشراف الهيئة.
مع مواصلة المملكة جهودها في حماية التراث الثقافي من خلال مركز حماية التراث الثقافي المغمور تحت المياه ، تتشكل أمامنا صورة للتاريخ البحري الغني الذي لم يكشف عنه بعد. ولا تقتصر هذه المبادرة على الآثار فحسب، بل هي بوابة لاستكشاف حضارات ومجتمعات تركت آثاراً في أعماق البحر الأحمر والخليج العربي. وإن كنت مهتماً بأسرار البحار يمكنك الاطلاع على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر من خلال زيارة مدونة بيوت السعودية التي توفر لك كل جديد يهمك.