كيف يمكن للمقاهي أن تتحول إلى مراكز ثقافية تجمع بين الأدب والإبداع، وتصبح منابر للحوار الفكري والتبادل الثقافي؟ باتت المبادرات الثقافية السعودية تتكاثر وتتنوع، حاملة معها رؤى مبتكرة، تتجاوز النمطي والمألوف لتغرس مفاهيم جديدة تعيد تشكيل العلاقة بين الناس والثقافة. من المعارض الأدبية، إلى الجوائز العالمية، إلى دعم المبدعين والموهوبين، كان المشهد الثقافي السعودي ولا يزال في أوج تألقه. ومن بين هذه المبادرات الرائدة، انطلقت مبادرة الشريك الأدبي كخطوة جريئة ومُلهمة تمزج بين الأدب والفضاء العام، لتعيد للأدب مكانته في الحياة اليومية، وتمنح المقاهي أدوارًا ثقافية جديدة تتخطى فنجان القهوة لتصل إلى أعماق الفكر والخيال.
وفي السنوات الأخيرة، أبهرت السعودية العالم بتحولها الثقافي المتسارع والمبهر، حيث أصبح الاهتمام بالجانب الثقافي جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030، فلم تعد الثقافة محصورة في أروقة المتاحف أو أعمدة الصحف، بل تحوّلت إلى نبض حيّ يملأ شوارع المدن وساحات المقاهي ومنصات الفعاليات، تعبيرًا عن الوعي العميق بأن الأدب والفن هما قوى ناعمة قادرة على بناء الإنسان والهوية. فما هي مبادرة الشريك الأدبي؟ ومن هو الشريك الأدبي؟ وما الفعاليات والمسارات التي تقدمها؟ دعونا نستكشف سويًا تفاصيل هذه التجربة الأدبية الفريدة.
مبادرة الشريك الأدبي

مبادرة الشريك الأدبي هي مبادرة أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة بالسعودية في مارس 2021م (رجب 1442هـ)، وتهدف إلى عقد شراكات أدبية بين الهيئة والمقاهي التي تهتم بالأعمال الأدبية وتطرحها لروادها بشكل مبتكر. تسعى المبادرة إلى تحويل المقاهي إلى فضاءات أدبية تستضيف الفعاليات الثقافية وتحتضن الحوار بين الأدباء والقراء، مما يعزز من حضور الأدب في الحياة اليومية ويقرب الثقافة من المجتمع.
وتقدم المبادرة دعمًا للمقاهي الشريكة عبر مسارين رئيسيين: الأول يركز على الدعم اللوجستي، مثل تسهيل التواصل مع الكتاب المحليين والدوليين، واستخراج الرخص، وتقديم الاستشارات حول تصميم الفعاليات الأدبية؛ أما المسار الثاني فيتمثل في الدعم التسويقي للفعاليات الأدبية التي تنظمها المقاهي.
من هو الشريك الأدبي؟
الشريك الأدبي هو كل مقهى أو منشأة ثقافية تسعى لتقديم الأدب بشكل مبتكر إلى روادها، وتلتزم بتنظيم فعاليات أدبية وثقافية تساهم في إثراء المشهد الأدبي السعودي. يمكن أن يكون الشريك الأدبي أيضًا كاتبًا أو ناقدًا أو ناشطًا أدبيًا أو حتى مؤسسة تهتم بالأنشطة الأدبية، مثل دور النشر والمكتبات الجامعية والتجارية، أو الجمعيات الثقافية. الهدف هو خلق بيئة محفزة للإبداع، تتيح التفاعل بين الأدباء والجمهور، وتفتح الباب أمام المواهب الجديدة للظهور والتألق.
ما هي فعاليات الشريك الأدبي؟
تتنوع فعاليات الشريك الأدبي بين أمسيات شعرية، ولقاءات مع كتاب وأدباء، وورش عمل للكتابة الإبداعية، ونوادي قراءة، وفعاليات للأطفال مثل “ركن الأديب الصغير” إضافة إلى الاحتفاء بالأيام الثقافية المرتبطة بالأدب. كما تشمل الفعاليات مناقشات الكتب، وتواقيع الإصدارات الجديدة، وحوارات ثقافية تجمع بين مختلف أطياف المجتمع. تهدف هذه الفعاليات إلى جعل الأدب جزءًا من الحياة اليومية، وتحفيز الأفراد على التفاعل مع الإنتاج الأدبي المحلي والعالمي.
ما هي جوائز الشريك الأدبي ؟
تخصص هيئة الأدب والنشر والترجمة جوائز مالية تتجاوز قيمتها مليون ريال سعودي سنويًا للمقاهي والمنشآت الشريكة المتميزة، وتُمنح هذه الجوائز بناءً على جودة وتنوع الفعاليات، ومدى تأثيرها في المجتمع، وابتكارها في تقديم الأدب للزوار. كما توجد جوائز خاصة لأفضل مساهمة مبتكرة، وأفضل تمثيل لثقافة المنطقة، وأفضل ظهور إعلامي.
مسارات مبادرة الشريك الأدبي
تطورت مبادرة الشريك الأدبي عبر نسخها المختلفة، حتى وصلت في نسختها الخامسة إلى خمسة مسارات رئيسية، تشمل:
- المقاهي الأدبية
- المساحات المشتركة
- أندية الهواة الثقافية
- الجمعيات الثقافية
- دور النشر المحلية
يهدف كل مسار إلى إشراك فئة جديدة من المجتمع في الحراك الأدبي، وتوسيع دائرة التأثير الثقافي، وتحفيز الابتكار في تصميم وتنفيذ الفعاليات الأدبية.
قد يهمك أيضًا: مبادرة قصص من السعودية .. نافذة جديدة للأدب السعودي
أهداف المبادرة وأثرها في المجتمع
تهدف مبادرة الشريك الأدبي إلى:
- جعل الثقافة والأدب جزءًا من أسلوب حياة المجتمع السعودي
- دعم انتشار الكتاب والمؤلف السعودي محليًا ودوليًا
- تعزيز دور القطاعين الخاص وغير الربحي في النهوض بالقطاع الثقافي
- إلهام الأفراد للإنتاج الأدبي والإبداعي
- توفير بيئة تفاعلية تتيح للأفكار الأدبية أن تتلاقى وتثمر
وقد حققت المبادرة نجاحات ملموسة، حيث شارك في نسخها الأخيرة أكثر من 80 شريكًا أدبيًا، ونُظمت آلاف الفعاليات والمساهمات الأدبية، واستفاد منها مئات الآلاف من الزوار في مختلف مناطق المملكة، مما عزز من حضور الأدب في الفضاء العام وفتح آفاقًا جديدة للمبدعين والقراء على حد سواء.
تجارب ملهمة من المبادرة
حققت العديد من المقاهي الأدبية نجاحات لافتة ضمن المبادرة، مثل مقهى “بردايم” في المدينة المنورة الذي حصد الجائزة الكبرى، ومقهى “عُريب” الذي حل ثالثًا على مستوى المملكة، بعد تنظيم فعاليات وأنشطة أدبية متنوعة أضفت على المجتمع المحلي روحًا ثقافية جديدة. وقد عبّر الفائزون عن فخرهم بتجربتهم في المبادرة، وأكدوا أن الدعم المقدم من الهيئة كان له أثر كبير في تحفيزهم على الابتكار وتجاوز التحديات.
أثر المبادرة على المشهد الثقافي السعودي

ساهمت مبادرة الشريك الأدبي في نقل الأدب من الأطر التقليدية إلى فضاءات أوسع وأكثر تفاعلية، وجعلت من المقاهي منصات حيوية للنشاط الأدبي، وفتحت الأبواب أمام المبدعين للمشاركة والتأثير. كما عززت من حضور الكتاب السعودي، وأتاحت لجمهور أوسع التعرف على الإنتاج الأدبي المحلي والعالمي، في بيئة تفاعلية تحتضن الحوار والإبداع.
إلى هنا وصلنا لختام مقالنا الذي تحدثنا فيه عن مبادرة الشريك الأدبي بالسعودية، حيث استعرضنا نشأتها وأهدافها، وتعرفنا على من هو الشريك الأدبي، وما هي فعالياته ومساراته، وكيف استطاعت هذه المبادرة أن تُحدث تحولًا مهمًا في المشهد الثقافي السعودي. لقد رأينا كيف أصبحت المقاهي أماكن تجمع الأدب والجمهور، وكيف ساهمت المبادرة في تعزيز حضور الأدب في حياة الناس اليومية. تمثل مبادرة الشريك الأدبي خطوة مهمة نحو بناء مجتمع ثقافي متكامل، يدعم الإبداع ويحتفي بالمواهب المحلية.
ندعوك عزيزي القارئ لزيارة مدونة بيوت السعودية لتبقى مطّلعًا على كل ما هو جديد في عالم الثقافة، والإبداع، والمبادرات الوطنية، ستجد لدينا مقالات شاملة، غنية، وموثوقة حول السوق العقاري والفعاليات والمبادرات في السعودية.