تُعد الخطوط الحديدية السعودية واحدة من أبرز ركائز التحول الحديث في قطاع النقل داخل المملكة، فقد أصبحت عاملًا أساسيًا في ربط المناطق، ودعم الاقتصاد، وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030. فمع كل كيلومتر جديد من السكك، تتوسع فرص التنمية، وتتسارع وتيرة التقدم نحو بنية تحتية أكثر كفاءة واستدامة.
في هذا المقال، نأخذك في جولة شاملة على مسار تطور هذه الخطوط، نستعرض فيها بداياتها، مكوناتها الحالية، ومشاريعها المستقبلية التي تشكّل ملامح نقل عصري ومترابط. كما نسلط الضوء على إنجازاتها ودورها المتنامي في دعم النمو الاقتصادي وتحقيق نقلة نوعية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية بالمملكة.
حول الخطوط الحديدية السعودية
الخطوط الحديدية في السعودية، والمعروفة باسم “سار”، هي شركة وطنية مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، وتُعد المشغل الرئيسي لشبكة السكك الحديدية في المملكة. تأسست عام 2006 بهدف تطوير وتشغيل شبكة قطارات حديثة وآمنة تخدم نقل الركاب والبضائع، وتسهم في ربط مناطق المملكة وتعزيز النمو الاقتصادي. تدير “سار” اليوم ثلاث شبكات رئيسية: قطار الشمال، وقطار الشرق، وقطار الحرمين السريع، وتلعب دورًا محوريًا في دعم الاستدامة وتطوير قطاع النقل تماشيًا مع أهداف رؤية السعودية 2030.

تاريخ الخطوط الحديدية بالسعودية
تمتلك المملكة تاريخًا طويلًا وحافلًا في مجال السكك الحديدية، يعكس مسيرتها التنموية وتوجهها المستمر نحو التحديث والتكامل في البنية التحتية. فقد لعبت الخطوط الحديدية دورًا محوريًا في ربط المناطق وتعزيز حركة النقل منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، عبرت الخطوط الحديدية السعودية مراحل متعددة من التطوير والتحديث، إليك هذه المراحل:
البدايات: من الدمام إلى الرياض
بدأت المملكة التفكير في إنشاء شبكة للسكك الحديدية في أربعينات القرن الماضي، استجابةً للنمو السكاني والاقتصادي. وفي أكتوبر 1947م، أُطلق مشروع إنشاء أول خط حديدي، ليُدشّن رسميًا في أكتوبر 1951م بخط يربط بين مدينة الرياض وميناء الدمام، بحضور الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله –. وقد كان لهذا المشروع أثر كبير في تسهيل حركة التجارة ونقل الركاب بين المنطقة الشرقية والعاصمة، مما شكل نقطة انطلاق حقيقية لقطاع النقل الحديدي في المملكة.
التوسع والتحديث: من المؤسسة إلى سار
مع تطور الاحتياجات الوطنية، تم تأسيس الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) عام 2006، بهدف تطوير شبكة قطارات حديثة تربط شمال المملكة بجنوبها وشرقها بغربها. كانت سار مسؤولة عن تنفيذ وإدارة مشروع قطار الشمال الذي يُعد من أطول خطوط السكك الحديدية في العالم. وقد أُنشئت الشركة بدعم مباشر من صندوق الاستثمارات العامة، لتكون ذراع الدولة في تطوير البنية التحتية للنقل بالسكك الحديدية.
النقلة التنظيمية: توحيد الجهود تحت سار
في عام 2021، شهد قطاع السكك الحديدية في المملكة نقلة تنظيمية كبيرة، حيث تم إلغاء “المؤسسة العامة للخطوط الحديدية” وتحويل مسؤولياتها بالكامل إلى شركة سار. هذا التغيير يعكس رؤية المملكة في توحيد الجهود وتحقيق التكامل بين شبكات النقل السككي المختلفة، مع التركيز على تطوير المشاريع المستقبلية، وتحسين الكفاءة التشغيلية. ومن خلال هذه الخطوة، أصبح “سار” هو الكيان الرئيسي المسؤول عن جميع أنشطة النقل بالسكك الحديدية، سواء كان لنقل الركاب أو البضائع، بما يعزز قدرته على تلبية احتياجات المملكة في المستقبل.
مكونات الخطوط الحديدية السعودية

تتألف الخطوط الحديدية في المملكة من شبكة متطورة تضم مجموعة من المشاريع الحيوية التي تربط مختلف أنحاء المملكة، معتمدة على أحدث التقنيات في التشغيل والبنية التحتية. نستعرض الآن أبرز مكونات هذه الشبكة التي تسهم في تسهيل حركة النقل للركاب والبضائع:
شبكة قطار الشمال
تعتبر شبكة قطار الشمال، التي كانت تُعرف سابقاً باسم سكة الشمال والجنوب (NSR) والتي يبلغ طولها 2750 كم، من أطول خطوط السكك الحديدية في العالم. تستخدم هذه الشبكة نظام إدارة الحركة الأوروبي ETCS –L2 لضمان التشغيل التوافقي لشبكات السكك الحديدية، مما يوفر موثوقية أعلى في الالتزام بالمواعيد، ويرفع من مستوى الأمن والسلامة للركاب والموظفين والبضائع .
شبكة قطار الشرق
تبلغ طول شبكة قطار الشرق حوالي 1775 كم، وتمتد من ميناء الملك عبد العزيز في الدمام إلى العاصمة الرياض، مروراً بعدة مدن رئيسية. تتألف الشبكة من خطين: الأول مخصص للركاب بطول 733 كم، والثاني مخصص للشحن بطول 566 كم. يتميز أسطول قطار الشرق بوجود 102 قاطرة ديزل و75 عربة ركاب، مع مقاعد مريحة ومرافق متكاملة على متن القطارات .
قطار الحرمين السريع
يُعد قطار الحرمين السريع من أسرع 10 قطارات كهربائية في العالم، حيث تبلغ سرعته 300 كم في الساعة. يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، مروراً بجدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ويخدم الحجاج والمعتمرين والمسافرين المحليين والدوليين.
وفي هذا النطاق أيضًا، اكتشف حافلات الرياض الجديدة … نقلة نوعية في النقل العام.
المشاريع المستقبلية للخطوط الحديدية السعودية
تستعد الخطوط الحديدية السعودية لمرحلة جديدة من التوسع والتطوير، حيث تشمل خططها المستقبلية مشاريع ضخمة تهدف إلى تعزيز شبكة النقل السككي في المملكة، ومن أبرز هذه المشاريع:

قطارات الركاب الحديثة
في خطوة لتعزيز خدمات الركاب، وقعت سار عقداً مع شركة ستادلر السويسرية لشراء وصيانة 10 قطارات ركاب حديثة لشبكة الشرق، مع إمكانية إضافة 10 قطارات أخرى. ستسهم هذه القطارات في مضاعفة الطاقة الاستيعابية السنوية لقطارات الشرق لتصل إلى أكثر من 3.8 مليون راكب سنويًا، وتوفير رحلات مباشرة بين الرياض والدمام لتلبية الطلب المتزايد على الرحلات بين المدينتين الرئيسيتين في المملكة .
الطاقة الهيدروجينية
في إطار التوجه نحو الاستدامة، وقعت سار مذكرة تفاهم مع شركة إير برودكتس لتطوير بنية أساسية للطاقة الهيدروجينية بمحطات سار، وتوفير الهيدروجين اللازم لتشغيل قطاراتها. تتضمن المذكرة العمل على تصميم وبناء وتشغيل محطات تعبئة الهيدروجين في جميع محطات “سار” بالمملكة، مما يعكس التزام سار بتطوير حلول نقل صديقة للبيئة .
التعاون مع أوبر
في خطوة مبتكرة، تعاونت سار مع شركة أوبر لتوفير خدمة حجز رحلات مع أوبر عبر منصات سار للمرة الأولى عالميًا. تمكن هذه الخدمة المسافرين من حجز رحلاتهم مع أوبر من وإلى محطات قطار سار على شبكتي قطار الشمال والشرق، مما يعزز تجربة السفر ويوفر خيارات نقل أكثر سلاسة وراحة .
تأثير الخطوط الحديدية على الاقتصاد والبيئة
في عام 2023م، تجاوز عدد ركاب قطارات “سار” 11.2 مليون راكب، بزيادة بلغت 55% مقارنةً بعام 2022م. كما تم نقل أكثر من 24.7 مليون طن من المعادن والبضائع عبر شبكاتها، مما أسهم في تقليل استهلاك الوقود في المملكة بأكثر من 3 ملايين برميل وخفض معدلات الانبعاثات الكربونية .
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا حول الخطوط الحديدية السعودية ، حيث تناولنا في هذا المقال تاريخ هذه الشبكة الحيوية، مكوناتها الرئيسية، بالإضافة إلى المشاريع المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز قطاع النقل في المملكة. للاطلاع على مزيد من المقالات المفيدة التي تقع ضمن هذا الإطار وغيره من المواضيع الشيقة ننصحك بزيارة مدونة بيوت السعودية لتجد فيها كل ما يثير اهتمامك. على سبيل المثال يمكنك الاطلاع على مقال مترو الرياض .. مشروع النقل العام الأكبر في السعودية.