هل تساءلت يومًا عن التراث الثقافي غير المادي السعودي ؟ بعيدًا عن الآثار التاريخية والمباني العريقة، تحتضن السعودية إرثًا حيًا وغير مادي، يُحفظ في ذاكرة الأجيال وينتقل شفويًا من جيل إلى جيل. هذا التراث يشمل الفنون الشعبية، العادات الاجتماعية، الاحتفالات، الحرف اليدوية، وأسلوب الحياة التقليدي، ليصبح جزءًا من هوية المجتمع السعودي.
ومن خلال هذه السطور، سنستعرض أهم 9 أمثلة عن التراث الثقافي غير المادي، ونكشف كيف عملت المملكة على المحافظة عليها ونقلها للأجيال القادمة.
التراث الثقافي غير المادي السعودي
تعرف اليونسكو التراث الثقافي غير المادي بأنه الممارسات، التقاليد، المعارف والفنون التي تُعتبر جزءًا من الهوية الثقافية للشعوب. صادقت السعودية على اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي عام 2008، ومنذ ذلك الحين سجلت 16 عنصرًا في القائمة التمثيلية، منها خمسة عناصر فريدة للمملكة، و11 عنصرًا مشتركًا مع دول أخرى.
هذه العناصر لا تقتصر على الاحتفالات أو المظاهر الفنية، بل تشمل الحياة اليومية، مهارات الصيد والزراعة، الحرف اليدوية، وأساليب التواصل الاجتماعي التي تحمل معاني التكاتف والكرم والشجاعة.
أمثلة التراث الثقافي غير المادي السعودي
العرضة النجدية “العرضة السعودية”
هي رقصة شعبية أصيلة، بدأت في ساحات الحروب وانتقلت لاحقًا إلى ميادين الاحتفال الوطنية والاجتماعية. تؤدى العرضة في المناسبات الرسمية، مثل استقبال رؤساء الدول، أو الأعياد، حيث يرتدي المؤدون ملابس مميزة تشمل: المرودن الأبيض الطويل، الصاية الخفيف فوقه، والمجوخ المطرز بخيوط ذهبية للفرسان والقادة. يتلو المشاركون أبيات شعرية وأهازيج حماسية بينما يُحركون السيوف بحركات محسوبة، لتصبح العرضة رمزًا للشجاعة والفخر الوطني.
رقصة المزمار
رقصة المزمار هي فن شعبي حجازي، ويمكن تلخيص عناصرها الأساسية في النقاط التالية:
- العصي والطبول (النقرزان، المرد، العلبة)
- مصطفون في صفين متقابلين، يرقص اثنان بالعصي في الوسط على إيقاع الطبول
- الأهازيج من خلال أناشيد شعرية تعبر عن الشجاعة والصداقة والارتحال
- مشاركة النساء في صناعة الملابس التقليدية المصاحبة للرقصة
فن القط العسيري
فن القط العسيري هو نقش هندسي وزخارف ملونة تستخدمها النساء لتزيين جدران المنازل في منطقة عسير. تضم المفردات البصرية للقط العسيري عشرة عناصر، مثل: البنات ترمز للأنثى، الأرياش مستوحاة من النباتات، والمحاريب تمثل الجانب الديني. هذا الفن ليس مجرد زخرفة، بل أصبح جزءًا من السياحة المحلية، حيث تُصنع المنتجات التذكارية والحقائب والأوشحة والمزهريات مستوحاة من القط العسيري.
البن الخولاني السعودي
يشتهر البن الخولاني بزراعته في جبال جازان، ويُعرف بـ”الذهب الأخضر” لجودته ورائحته المميزة. تُزرع بذوره في أكياس شبكية وتُنقل بعد 3-4 أشهر إلى المدرجات الزراعية، ويبدأ الحصاد بعد سنتين إلى ثلاث سنوات. يمتاز البن الخولاني بقيمته الاقتصادية العالية، ويعد رمزًا للتراث الزراعي السعودي، حيث ينتقل معارف زراعته وحصاده من جيل إلى جيل.
الورد الطائفي
يُعد الورد الطائفي جزءًا من التراث الثقافي غير المادي السعودي في محافظة الطائف، إذ يبدأ المزارعون في تسميد الأرض وريّها وتقليم الشجيرات من ديسمبر إلى فبراير، ويستمر موسم الحصاد 35 إلى 45 يومًا. يستخدم ماء الورد والزيت العطري في منتجات التجميل والأطباق التقليدية، وتُلقى الورود على الضيوف احتفاءً بمقدمهم. ويُنتج نحو 550 مليون وردة سنويًا في أكثر من 910 مزرعة، فيما يعمل 70 مصنعًا على تصنيع مشتقات الورد الطائفي.
المجلس السعودي
المجلس هو المكان التقليدي للاجتماع بين أفراد المجتمع، لتبادل الأخبار ومناقشة القضايا المحلية، فضلاً عن أداء الواجبات الاجتماعية كالضيافة والعزاء وحفلات الزواج. يلتقي فيه كبار السن لنقل معرفتهم بالأنساب والتاريخ، بينما يتعلم الصغار من مراقبة الكبار مهارات الحوار وأخلاقيات المجتمع. للنساء مجالس خاصة بها، وحضور بعض النسوة للفعاليات الأدبية أو العلمية يُظهر أهميته في نقل التراث الشفهي والأدبي.
القهوة السعودية
القهوة السعودية رمزٌ للكرم والضيافة، ويمكن تلخيص أهم ممارساتها في نقاط:
- تحميص حبوب البن وطحنها ووضعها في دلة نحاسية على النار
- تقديم الفنجان الأول للأكبر سنًا والأكثر مكانة، وإعادة السكب عند الطلب
- الشباب يتعلمون أساليب اختيار البن وتحضيره من كبار السن
- تعكس القهوة قيم الكرم والضيافة والترابط الاجتماعي
الصقارة (البيزرة)
تربية الصقور والصيد بها تراث عريق في السعودية. يقوم الممارسون بتدريب الطيور الجارحة وإطلاقها، ويسافرون أحيانًا لأسابيع لممارسة هوايتهم. تُعد الصقارة ممارسة ثقافية وفنية تعكس الصبر والانضباط، وتُظهر العلاقات بين الإنسان والطبيعة في الثقافة السعودية التقليدية.
السدو
السدو حرفة نسيج بدوي تقليدي يُستخدم في صنع الخيام المعروفة باسم بيت الشعر، باستخدام وبر الجمل أو صوف الماعز والغنم. تلعب النساء دورًا رئيسيًا في حياكة السدو، وتُعد هذه الحرفة جزءًا من التراث البدوي الذي يجمع بين الجمال والوظيفة العملية في آن واحد
جهود السعودية في المحافظة على التراث
سعت السعودية لإبراز التراث الثقافي غير المادي السعودي عبر مبادرات متنوعة، أبرزها:
- برامج تثقيف الطلاب في المدارس لتعريفهم بعناصر التراث
- رحلات استكشافية ومسابقات للطلاب لاختيار أفضل البحوث الميدانية حول التراث
- تأسيس مراكز وطنية لتعليم فنون العرضة السعودية والرقصات التقليدية
دور هيئة التراث
تعمل هيئة التراث على:
- تسجيل العناصر الثقافية السعودية لدى اليونسكو وحمايتها
- التعاون مع الدول الأخرى لتبادل الخبرات وإحياء التراث المشترك
- تنظيم فعاليات ومهرجانات تراثية تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي والاحتفاء بالتراث
ختاما، التراث الثقافي غير المادي السعودي ليس مجرد ممارسات قديمة، بل هو روح المجتمع وهويته المتجددة عبر الأجيال. من العرضة النجدية إلى البن الخولاني، ومن المجالس إلى السدو، تجسد هذه العناصر قيم الشجاعة والكرم والتعاون، وتروي قصة المملكة الغنية بالثقافة والتاريخ.
لمعرفة المزيد عن التراث السعودي ومبادرات الحفاظ على الهوية الثقافية، تابع مدونة بيوت السعودية ستجد هناك مقالات غنية تسلط الضوء على الحياة السعودية، العقار، والثقافة بأسلوب شيّق وممتع.
