في ظل الازدحام الشديد الذي يشهده الحرم الشريف طوال العام، خاصة في مواسم الحج والعمرة، أصبحت الحاجة ماسة إلى حلول تقنية ذكية تساعد الزوار على أداء مناسكهم بسلاسة ويسر. ومن هنا، جاءت الخرائط الذكية داخل الحرم لتوفر تجربة متميزة، قائمة على أحدث ما توصلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي والملاحة الرقمية. في هذا الإطار، تلعب الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة دورًا محوريًا في تطوير الخرائط الذكية التي توفر تجربة رقمية متكاملة لضيوف الرحمن، تسهم في تسهيل رحلتهم الروحية وتيسير أدائهم للمناسك بكل يسر وأمان.
في مقالنا هذا سنتعرف على مفهوم الخرائط الذكية داخل الحرم، تطبيقاتها، مزاياها، ودور الهيئة الملكية في تطوير هذه التقنية الحيوية، إلى جانب أهمية هذه الخرائط في تحسين تجربة الحجاج والمعتمرين.
ما هي خدمة الخرائط الذكية داخل الحرم ؟

الخرائط الذكية داخل الحرم تمثل منظومة رقمية متقدمة تعتمد على أحدث تقنيات الإرشاد المكاني والتفاعل الرقمي، وتوفر للزائرين إمكانية تحديد مواقعهم بدقة داخل المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، مع عرض مسارات واضحة للوصول إلى مختلف الخدمات والمرافق. طورت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة هذه الخرائط ضمن استراتيجية شاملة لتحويل مكة إلى مدينة ذكية، تعزز من تجربة الزوار وتدعم تحقيق رؤية المملكة 2030.
تتيح هذه الخرائط التفاعلية عبر تطبيقات الهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية، التنقل الافتراضي داخل الحرم، مع تحديثات مستمرة تعكس الواقع الميداني المتغير، مثل مداخل ومخارج الحرم، الشوارع المحيطة، مسارات الطواف والسعي، دورات المياه، مراكز الخدمات الصحية، ومواقع الإسعاف، بالإضافة إلى مرافق أخرى هامة. كما تدعم الخرائط عدة لغات لتلبية احتياجات التنوع الثقافي لضيوف الرحمن.
تطبيقات الخرائط الذكية داخل الحرم
تتعدد التطبيقات العملية للخرائط الذكية داخل الحرم، لتشمل مجموعة واسعة من الخدمات الرقمية المتكاملة:
- تطبيقات الإرشاد المكاني: مثل الخريطة التفاعلية التي أطلقتها الرئاسة العامة، والتي تُمكّن المستخدم من تحديد موقعه بدقة والوصول إلى أي مرفق داخل الحرم بخطوات واضحة وسهلة، مع دعم لغات متعددة لتلبية احتياجات جميع الزوار.
- تطبيقات إدارة الحشود: تُستخدم الخرائط الذكية في تتبع حركة الزوار داخل الحرم، ما يساعد الجهات التنظيمية على إدارة الحشود بكفاءة، وتوجيه الزوار إلى المسارات الأقل ازدحامًا، وتقديم تنبيهات فورية في حال وجود إغلاقات أو تغييرات في المسارات.
- خدمات الطوارئ الصحية والأمنية: تتيح الخرائط الذكية تحديد مواقع مراكز الإسعاف والمراكز الصحية بدقة، ما يسرّع الاستجابة للحالات الطارئة ويوفر الوقت الثمين في إنقاذ الأرواح.
- التكامل مع التطبيقات الذكية الأخرى: مثل تطبيقات حجز الصلوات والطواف، والبث المباشر للخطط التوعوية والإرشادية، ما يجعل بيئة الحرمين بيئة تقنية مستدامة تدعم تجربة الضيف من لحظة وصوله حتى مغادرته.
- الخرائط الورقية الذكية: التي تدمج رموز QR للوصول السريع إلى الخرائط الرقمية عبر الهاتف المحمول، وتوفر دليلًا مرئيًا للمرافق والخدمات.
وتتعاون الهيئة الملكية مع شركاء وطنيين لتوفير تطبيقات رقمية متكاملة مثل تطبيق بلدي+ الذي أطلق ضمن موسم حج 1446هـ، ويقدم تجربة خريطة تفاعلية ثلاثية الأبعاد تعكس الواقع الميداني بدقة عالية. يشمل التطبيق تحديث أكثر من 11 ألف معلم على الخريطة، منها مداخل ومخارج الحرم، الشوارع المحيطة، مسارات الوصول والمغادرة، المستشفيات، مراكز الهلال الأحمر، دورات المياه، محطات النقل العام، الفنادق، والمخيمات.
كما يوفر التطبيق خدمات ذكية تشمل تنبيهات الأذكار، مواقيت الصلاة، الوصول إلى المصحف الشريف، وتنبيهات فورية عن الإغلاقات المرورية والعوائق، مما يسهل التنقل ويعزز السلامة داخل الحرم والمشاعر المقدسة. وتعمل الخرائط الذكية أيضًا على دعم خطط إدارة الحشود، من خلال عرض البيانات اللحظية لحركة الزوار وتوجيههم إلى المسارات الأقل ازدحامًا.
مزايا خدمة الخرائط الذكية داخل الحرم
توفر خدمة الخرائط الذكية مجموعة واسعة من المزايا التي تسهم في تحسين تجربة التنقل داخل الحرم الشريف، وتضمن وصول الزائر إلى وجهته بأسرع وقت وأقل جهد، مع تعزيز مستوى الأمان والراحة. فيما يلي نستعرض أهم المزايا التي تقدمها هذه الخرائط الذكية، والتي تجعلها أداة لا غنى عنها لكل من يقصد بيت الله الحرام.
تحديد الموقع الحالي بدقة عالية داخل الحرم

تعتمد الخرائط الذكية على أنظمة متقدمة لتحديد المواقع (مثل الـ GPS والـ BLE Beacon)، ما يمكّن المستخدم من معرفة موقعه الحالي بدقة شديدة، حتى داخل المباني المغلقة للحرم. وهذا أمر بالغ الأهمية في بيئة مزدحمة ومعمارية معقدة كالمسجد الحرام، حيث يصعب أحيانًا التمييز بين المواقع المتشابهة. من خلال هذه الميزة، يستطيع الزائر أن يرى نفسه كنقطة على الخريطة، مما يساعده على توجيه نفسه بسهولة، سواء كان في صحن المطاف أو داخل أحد الممرات أو الطوابق العلوية.
التوجيه التفاعلي خطوة بخطوة
من خلال واجهة سهلة الاستخدام، تقدم الخدمة تعليمات مرئية وصوتية تُرشد المستخدم إلى وجهته خطوة سواء أراد الزائر التوجه إلى بوابة معينة، أو إلى المصلى المخصص للرجال أو النساء، أو حتى إلى مكان الوضوء، توفر له الخدمة المسار الأقصر والأسرع. كما أن الخرائط تراعي الحواجز المؤقتة أو إغلاق بعض المسارات، وتقوم بتحديث التوجيه بشكل فوري، لتجنّب أي تأخير أو ارتباك.
دعم شامل لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن
من أبرز نقاط القوة في الخرائط الذكية أنها لا تقتصر على المسارات العامة فقط، بل توفر مسارات مخصصة تتناسب مع احتياجات كبار السن وذوي الإعاقة الحركية. تشمل هذه المسارات المصاعد، والمنحدرات، والمسالك الواسعة التي تسهل حركة الكراسي المتحركة، مما يمكّن هذه الفئات من الوصول إلى وجهاتهم دون عناء أو خطر. بالإضافة إلى ذلك، تعرض الخريطة معلومات حول مواقع الكراسي المتحركة المجانية، ودورات المياه المخصصة، ما يعزز من جودة تجربتهم داخل الحرم.
تحديثات لحظية لحالة الممرات والمداخل
تتكامل الخرائط الذكية داخل الحرم مع أنظمة إدارة الحشود داخل المسجد الحرام، مما يتيح لها تقديم تحديثات لحظية ودقيقة حول الوضع داخل الممرات والمداخل. فعلى سبيل المثال، إذا تم إغلاق بوابة مؤقتًا بسبب ازدحام أو إجراء تنظيمي، تُعلم الخدمة المستخدم فورًا بذلك، وتقترح عليه مسارًا بديلاً. هذا التفاعل الفوري يسهم في تقليل الارتباك، ويعزز من انسيابية الحركة داخل الحرم، خصوصًا في أوقات الذروة كصلوات الجمعة، وليالي رمضان، وأيام العشر الأواخر.
تعدد اللغات لتلبية تنوع الزوار
يستقبل المسجد الحرام ملايين الزوار من مختلف الجنسيات، لذلك تدعم الخرائط الذكية العديد من اللغات. تتيح هذه التعددية اللغوية تجربة مريحة وسهلة للزائر، إذ يمكنه اختيار اللغة التي يفهمها، واتباع الإرشادات بدقة دون الحاجة إلى ترجمة أو مساعدة خارجية. وتُعد هذه الميزة حيوية، خاصة للزوار القادمين من بلدان غير عربية أو ممن يؤدون العمرة للمرة الأولى.
تكامل مع التطبيقات الحكومية والخدمات المساندة
تعمل الخرائط الذكية داخل الحرم بشكل متكامل مع تطبيقات الحج والعمرة الرسمية مثل:
- تطبيق نسك (Nusuk)
- تطبيق اعتمرنا
- تطبيق مكة
هذا التكامل يسمح للمستخدم بالانتقال بسهولة بين خدمات الحجز، واختيار المسار، والتوجيه المكاني دون الحاجة إلى تحميل تطبيقات متعددة أو إدخال نفس البيانات أكثر من مرة. كما يدعم النظام الربط مع مراكز التوعية والإرشاد، لتقديم محتوى ديني وتثقيفي متزامن مع رحلة الزائر داخل الحرم.
قد يهمك يضًا: ما هو تأثير التحول الرقمي في موسم الحج ؟
أهمية الخرائط الذكية داخل الحرم في إدارة الحشود وتطوير الخدمات
مع تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين سنويًا، تبرز أهمية الخرائط الذكية في تسهيل إدارة الحشود وضمان سلامة الزوار. فهي تتيح للجهات التنظيمية مراقبة حركة الزوار في الوقت الفعلي، وتوجيههم إلى المسارات المناسبة، وتقديم تنبيهات فورية في حال حدوث أي طارئ. كما تساهم في تحسين تجربة الزائر من خلال توفير معلومات دقيقة وفورية عن جميع الخدمات والمرافق، ما ينعكس إيجابًا على رضا الضيوف ويعزز من مكانة المملكة في خدمة الحرمين الشريفين.
دور الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة
تتولى الهيئة الملكية مهمة تطوير البنية التحتية الرقمية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ضمن استراتيجية شاملة لتحويل مكة إلى مدينة ذكية متطورة. من خلال إطلاق خريطة مكة التفاعلية وخدمات الخرائط الذكية، توفر الهيئة منصة متكاملة تسهل على الحجاج والمعتمرين التنقل والوصول إلى مختلف الخدمات بكل يسر وأمان.
كما تتعاون الهيئة مع الجهات الحكومية وشركاء التكنولوجيا لتحديث الخرائط بشكل مستمر، وتوفير بيانات دقيقة وموثوقة تدعم خطط إدارة الحشود، وتحسين جودة الخدمات البلدية والصحية والأمنية داخل الحرم والمشاعر المقدسة. وتأتي هذه الجهود امتدادًا لرؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز تجربة ضيوف الرحمن وتطوير بيئة حضرية ذكية ومستدامة.
إلى هنا وصلنا لختام مقالنا الذي تناولنا فيه الخرائط الذكية داخل الحرم واستعرضنا مفهومها، تطبيقاتها، مزاياها، ودور الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في تطوير هذه التقنية الحيوية. الخرائط الذكية تعزز تجربة ضيوف الرحمن، وتوفر لهم الراحة والدقة وسهولة التنقل، مع دعم متكامل لإدارة الحشود وخدمات السلامة. لمتابعة كل جديد ومفيد في مجال الخدمات الذكية والتقنيات الحديثة في المملكة، ننصحك بزيارة مدونة بيوت السعودية الشاملة.