تشتهر السعودية في ثرائها بالقرى التراثية والأثرية التي تنقل لنا أبهى الصور التطور البشري ومدى تشبث الإنسان القديم في هذه الأرض المباركة، حيث تعتبر هذه القرى كنزاً وطنياً يسهم في إبراز الثقافة المحلية الرائعة التي تضمها المملكة، ومن هذه القرى الاستثنائية هي قرية القصار التي تُبرز جمالية التراث السعودي وأصالته على مرّ السنين المنصرمة، تابعوا معنا أبرز التفاصيل في جولة نخوض بها أُفق الجمال التي تحتويه.
نبذة عن قرية القصار
اشتهرت قرية القصار بجمالها الخلاب لما تحتويه من طبيعة بكر تَسُر الناظرين، حيث تتناثر أشجار النخيل والمسطحات الخضراء في جميع أرجاء هذه القرية، كما تُعتبر من أهم الركائز السياحية في جزيرة فرسان، فهي من أقدم المجمعات البشرية سابقاً والتي سكنوا فيها منذ مئات السنين، مما يضفي لها ميزة التاريخ والتراث بالتشارك مع الطبيعة المدهشة، فضلاً عن المناخ المعتدل نسبياً طوال العام، وقد جعلتها هذه الخاصية من أكثر الأماكن جذباً للسياح من جميع أنحاء السعودية وليس فقط جزيرة فرسان.

كما تشتهر هذه القرية بوفرة المياه العذبة المستخرجة من الآبار الجوفية، على غرار الأمطار الغزيرة خلال فصل الشتاء، مما جعلها منطقة حيوية تنبض بالعيش الرغيد لدى السكان الأقدمين فقاموا بإنشاء المزارع واعتمدوا على الفلاحة كمصدر رزق، بحيث اجتمعت هذه العوامل لتكون بيئة استثنائية غنية بالتراث الذي تنقله لنا في الأيام الحالية، علاوةً على اشتهارها بالرطب وتحديداً خلال موسم “عاصف” الشهير.
حظيت قرية القصار بالاهتمام الكبير من قِبَل السلطات المسؤولة، حيث خضعت منازلها إلى عمليات ترميم ضمن إطار الحفاظ على هذا الكنز، لذلك نجد أن بعض البيوت قد تجدد بعض الأجزاء منها، ورغم ذلك لا زالت تحتفظ بمكانتها القيمة بسبب الاحترافية العالية في العمل، وقد تدخل القرية مستقبلاً ضمن مخطط رؤية 2030 التي تهدف إلى تجهيز الأماكن السياحية بأفضل المقومات وجعل المملكة نقطة جذب من جميع أنحاء العالم والشرق الأوسط.
موقع قرية القصار
تتمركز قرية القصار في جزيرة فرسان التابعة لمنطقة جازان في رحاب السعودية، بحيث تبعد عن مركز المحافظة مسافة 5 كم تقريباً، مما يضفي لها ميزة الموقع الاستراتيجي لجذب السياح، فضلاً عن وقوعها وسط العديد من الأماكن السياحية الأخرى مثل قلعة لقمان التي تبعد عنها قرابة 2 كم، كما يمكن للزوار القدوم إليها عن طريق مرسى جنابة ومرسى الحافة.
السياحة في قرية القصار التراثية
تستعرض جزيرة القصار بريقها من خلال مبانيها التراثية، بحيث بنيت من الحجارة وجريد النخل الذي يعبّر عن بساطة الحياة والابتكار المستوحى من الطبيعة المحيطة بالسكان، فضلاً عن النخيل المتناثر في فضاء الباحات حول البيوت، مما جعلها مركزاً يستقطب السياح للتعرف على هذا التاريخ والتراث الرائع، فضلاً عن تجسيدها لنموذج السياحة الصيفية الأمثل لسكان جزيرة فرسان، إذ يعتبرونها منتجعاً صيفياً يحتوي على العديد من الأنشطة الجميلة التي تساعد على الاسترخاء والابتعاد عن صخب الحياة.
كما تعتبر القرية من أكبر المكتبات التاريخية المفتوحة، حيث عُثر على كوكبة واسعة من النقوش التي تعود إلى غابر الأزمان، كما تضم العديد من المطاعم والمقاهي الشعبية التي تشعر الزوار بالراحة وسط الأجواء البسيطة التي تنقل عبق التاريخ وتراث هذا المكان، إضافةً إلى متاجر بيع المنتجات المُصنّعة يدوياً من قبل أهالي جزيرة فرسان، مما يشكّل فرصة ذهبية للتعرف أكثر على قرية القصار وما تحتويه من تراث أصيل وعريق.
بناء قرية القصار التراثية

تتوزع هذه المنازل في فضاء واسع من الحارات التي تضم كل واحدة منها مجموعة، وقد اختلف العلماء في تحديد هوية المباني وتاريخ القرية نفسها، إذ يقول البعض أنها تعود للعهد الروماني والبعض الآخر يقول بأنها تعود للعهد الحميري، وعلى الرغم من اختلاف هذه الآراء، إلا أن القرية تعتبر واحةً من التاريخ بسبب مبانيها التي صمدت لمئات السنين.
تعتبر قرية القصار من أثرى القرى التراثية في المنازل التي ما زالت حيةً إلى يومنا هذا، حيث تضم 400 منزل كانوا شاهدين على تطورات الحياة وتغلبوا على جميع الظروف الزمنية ليسردوا لنا حكايات الأجداد، كما تتميز هذه المنازل بتصميم بنائها المكون من الحجارة المنحوتة و المشذبة، أما بالنسبة إلى الأسقف، تم تأسيس أغلبها من جذوع النخل أو عيدان المض، ويزيد على ذلك الخبان الذي يتم وضعه في الطبقة الأخيرة، وبالانتقال إلى مساحة البيوت، تصل أقصى مساحاتها إلى 20 متر مربع.
آثار قرية القصار التراثية
تم العثور على العديد من الآثار التي ذكرناها سابقاً من النقوش، حيث تنوعت بين العصور التي تعود لها مثل نقوش الخط الحميري وبعض الكتابات المنقوشة بالحروف اللاتينية القديمة، بالإضافة إلى منطقة الكدمي في القرية، إذ تحتضن هذه المنطقة نقوشاً يرجع عمرها إلى عام 24 ق.م، فضلاً عن الآثار الرومانية والحصن الأثري الذي تم بناؤه في الأعوام المتأخرة في العهد الإسلامي.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام جولتنا التفصيلية عن قرية القصار التراثية وعجائبها التاريخية، إذ تعتبر هذه القرية أكثر من كونها مكاناً سياحياً، بل تجسّد شاهداً حقيقياً ينقل لنا حياة الأسلاف وعظمة الارتباط الوثيق بهذه الأرض، كما تتشارك العديد من القرى والمواقع الأخرى هذه الرسالة النبيلة في قلب المملكة، إذ تعرض لكم مدونة بيوت السعودية ثلّة من هذه الأماكن التي تعود بنا إلى سابق العصور مثل قرية شبرقة وحصونها الشامخة، إضافةً إلى قرية الحرجة القديمة وتراثها الفريد.