هل يمكن لمشروعٍ نفطي ضخم أن يجمع بين الابتكار الهندسي، والإنتاج العالي، والحفاظ على البيئة في آنٍ واحد؟ الإجابة نجدها واضحة في حقل منيفة أحد أعظم المشاريع التي نفذتها أرامكو السعودية، والذي أصبح رمزًا للتكامل بين الطاقة والتقنية والاستدامة. فمن مياه الخليج العربي الضحلة، خرج إنجاز هندسي فريد يُجسّد قدرة المملكة على تحويل التحديات البيئية إلى فرص استثنائية للتطوير والنمو.
في مقالنا هذا، سنأخذك في جولة شاملة للتعرّف على حقل منيفة، موقعه الجغرافي، حجمه الهائل، مراحل تطويره الهندسية، إضافةً إلى دوره في تعزيز الإنتاج النفطي، وتأثيره البيئي والاقتصادي المذهل.
ما هو حقل منيفة ؟
يُعد حقل منيفة واحدًا من أكبر وأقدم الحقول النفطية في السعودية، بل ومن أضخم الحقول في العالم، إذ يحتل المرتبة الخامسة عالميًا من حيث الحجم. اكتُشف عام 1376هـ/1957م عبر البئر التجريبية رقم “منيفة 1″، التي أصبحت بئر الاكتشاف الرسمية للحقل. ويقع هذا الحقل المغمور في مياه الخليج العربي شمال مدينة الجبيل بالمنطقة الشرقية، ويُنتج النفط الخام العربي الثقيل الذي يُعتبر من أهم أنواع النفط المطلوبة عالميًا.
أين يقع حقل منيفة ؟
يقع حقل منيفة في منطقةٍ بحريةٍ شمال مدينة الجبيل الصناعية على الخليج العربي، في مياهٍ ضحلة يتراوح عمقها بين متر واحد و15 مترًا فقط، وهو ما جعل تنفيذه تحديًا هندسيًا كبيرًا تطلب حلولًا مبتكرة لتجنب الإضرار بالبيئة البحرية الحساسة.
حجم حقل منيفة

يمتد الحقل على مساحة تُقدّر بنحو 45 كيلومترًا طولًا و18 كيلومترًا عرضًا، ويضم 6 مكامن نفطية رئيسة. ويُعد منيفة خامس أكبر حقل نفطي في العالم بطاقةٍ إنتاجيةٍ ضخمة تكفي لتزويد أكثر من 100 مليون شخص بالطاقة.
تطوير مشروع حقل منيفة
مرّ تطوير حقل منيفة بعدة مراحل تاريخية مهمة قادتها أرامكو السعودية بخطط مدروسة ودقة هندسية عالية:
- 1957: اكتشاف الحقل عبر البئر التجريبية “منيفة 1”
- 1964: بدء الإنتاج بقدرة 125 ألف برميل يوميًا
- 1984: توقف الإنتاج بسبب انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام
- 2005: ارتفاع الطلب على النفط العربي الثقيل أعاد المشروع إلى الواجهة
- 2006: إطلاق خطة تطوير ضخمة باستثمار أولي بلغ 10 مليارات دولار
- 2007: تقييم بيئي شامل أدى إلى تصميم 27 جزيرة اصطناعية للحفاظ على البيئة
- 2008: غرز أول ركيزة لجسر بحري بطول 41 كيلومترًا يربط الجزر ببعضها
- 2013: بدء الإنتاج بطاقة 500 ألف برميل يوميًا
- 2016: تحقيق طاقة إنتاجية بلغت 900 ألف برميل يوميًا
هندسة مشروع حقل منيفة

يُعد مشروع حقل منيفة إنجازًا هندسيًا متكاملًا، جسّد قدرة أرامكو السعودية على الابتكار في تصميم وتنفيذ المشاريع النفطية الكبرى، ويمكن تلخيص أبرز ملامح هندسته في النقاط التالية:
- اعتمد المشروع على بناء 27 جزيرة صناعية في مياه الخليج العربي لتسهيل عمليات الحفر والإنتاج.
- تم ربط هذه الجزر بشبكة من الجسور البحرية بلغ طولها نحو 41 كيلومترًا لضمان سهولة الحركة ونقل المعدات.
- صُممت كل جزيرة بمساحة تعادل مساحة عشرة ملاعب كرة قدم تقريبًا، ما وفر بيئة آمنة ومجهزة لعمليات الحفر.
- ساهم التصميم القائم على الجزر الصناعية في خفض التكاليف الرأسمالية بنسبة وصلت إلى 27% مقارنة بالمشروعات البحرية التقليدية.
- استخدم في المشروع أكثر من 9 آلاف كيلومتر من الأنابيب والكابلات تحت سطح البحر وفوقه لتحقيق أعلى كفاءة تشغيلية.
- شارك في تنفيذ المشروع أكثر من 21 ألف عامل ومهندس، مع تسجيل ما يزيد عن 4 ملايين ساعة عمل تصميمي وهندسي.
- تضمن المشروع مرافق متكاملة تشمل وحدات فرز الغاز عن الزيت، ومعامل معالجة الغاز، ومحطات لإنتاج المياه وحقنها في الآبار.
- رُوعي في التصميم الحفاظ على التوازن البيئي، إذ تم تنفيذ الأعمال بما يضمن حماية النظام البحري المحيط وتحقيق الاستدامة.
الإنتاج في حقل منيفة
يُعتبر حقل منيفة أحد أعمدة إنتاج النفط السعودي، إذ يُنتج النفط الخام العربي الثقيل الذي يُستخدم لتغذية مصافي رئيسة في المملكة وخارجها، أبرزها:
- مصفاة ساتورب في الجبيل
- مصفاة ياسرف في ينبع
- مصفاة جازان (قيد التشغيل)
- مصفاة موتيفا في الولايات المتحدة الأمريكية
كما يسهم الحقل في دعم قطاع البتروكيماويات عبر توفير سوائل الغاز الطبيعي، ما يعزز مكانة المملكة في سوق الطاقة العالمية.
الأثر البيئي والاقتصادي

يُعد مشروع حقل منيفة مثالًا عالميًا في تحقيق التوازن بين الإنتاج الاقتصادي الضخم والحفاظ على البيئة.
الأثر البيئي
- تعاونت أرامكو مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لمراقبة النظام البيئي أسبوعيًا
- تصميم الجسور البحرية ساعد في تحسين تدفق المد والجزر وزيادة نسبة الأكسجين في المياه
- ارتفاع مروج الأعشاب البحرية بنسبة 70% بعد تنفيذ المشروع
- زراعة 250 ألف شجرة مانجروف لتوفير بيئة طبيعية لتكاثر الطيور والأسماك
- إنشاء ثلاث منصات بيئية لتكون مأوى آمنًا للطيور المهاجرة
الأثر الاقتصادي
- تصنيع 37% من المواد المستخدمة محليًا داخل السعودية
- توفير آلاف فرص العمل في مراحل التصميم والبناء والتشغيل
- تعزيز التنويع الاقتصادي ودعم الصناعات المحلية
- حصول المشروع على جوائز عالمية منها: مشروع العام في مجال مشاريع النفط الابتكارية، وجائزة اليونسكو للمسؤولية البيئية تقديرًا لجهوده المستدامة
قد يهمك أيضًا: ما الذي يجعل حقل السفانية أكبر حقل نفطي بحري في العالم؟
الأسئلة الشائعة
قبل أن نختم مقالنا، إليك أكثر الأسئلة المتكررة التي تدور حول هذا المشروع العملاق:
متى تم اكتشاف حقل منيفة؟
اكتُشف الحقل عام 1957م وبدأ إنتاجه عام 1964م.
كم يبلغ إنتاج حقل منيفة اليوم؟
يبلغ إنتاجه نحو 900 ألف برميل يوميًا من النفط الخام العربي الثقيل.
ما الذي يميز مشروع منيفة عن غيره من الحقول؟
تفرّده في الدمج بين التقنية المتقدمة والحفاظ على البيئة باستخدام الجزر الصناعية والجسور البحرية.
من الذي طور وأشرف على تنفيذ المشروع؟
شركة أرامكو السعودية هي المطور والمشغل الرئيس للحقل.
إلى هنا وصلنا لختام مقالنا الذي تحدثنا فيه عن حقل منيفة، واستعرضنا موقعه، حجمه، مراحل تطويره، وهندسته المذهلة التي جعلت منه أحد أهم مشاريع الطاقة في العالم. كما تعرّفنا على أثره الاقتصادي والبيئي الذي يجسد رؤية المملكة في التنمية المستدامة.
وننصحك بزيارة مدونة بيوت السعودية للاطلاع على كل جديد ومفيد حول المشاريع الوطنية العملاقة وإنجازات المملكة في مجالات الطاقة والابتكار.