منذ أن وُلدت السينما قبل أكثر من قرن، كانت الوثائقية هي صورتها الأصدق؛ ترصد، توثّق، وتمنح الصوت لمن لا يُسمع. وفي هذا الامتداد الطبيعي لتاريخ الصورة، جاءت أيام الفيلم الوثائقي في نسختها الثالثة بجدة، لتعيد للجمهور هذا الشعور الأولي بالدهشة والصدق. نظّمها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بالتعاون مع حي جميل، وقدّمت على مدى أسبوع حكايات حقيقية من مختلف أنحاء العالم. أفلام اقتربت من الإنسان كما هو، بلا تزويق ولا أقنعة.
فعالية أيام الفيلم الوثائقي 2025

في عامها الثالث، عادت أيام الفيلم الوثائقي لتؤكد مكانتها كأحد أبرز الأحداث السينمائية في المملكة، مقدّمة للجمهور أسبوعًا حافلًا بالعروض والتجارب البصرية والإنسانية. امتدت الفعالية من 3 إلى 7 مايو في سينما حي بجدة، وضمّت 11 عرضًا وثائقيًا اختيرت بعناية لتعكس تنوّع المواضيع وعمق الرؤى الإخراجية، من قصص محلية تلامس تفاصيل الحياة اليومية في السعودية، إلى أفلام عالمية تستعرض قضايا ثقافية وتاريخية معاصرة.
ما ميّز هذه النسخة لم يكن فقط تنوّع الأفلام، بل الجو العام الذي خلقته العروض والنقاشات المرافقة لها. جمهور من مختلف الأعمار والخلفيات اجتمع في قاعة واحدة، يشارك المشاعر والانطباعات، ويتفاعل مع المخرجين بعد العروض في جلسات حوارية قريبة من القلب. كانت الأجواء مفعمة بالحيوية، وكأن جدة تحوّلت في ذلك الأسبوع إلى مسرح حيّ يعيد للسينما الوثائقية وهجها الحقيقي ومكانتها في نقل الواقع بكل ما فيه من جمال وتحديات.
تنظيم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي
استمرارًا لرؤية مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دعم السينما بكل أشكالها، خاصةً الوثائقية التي تُعد من أكثر الأنواع تعبيرًا عن الواقع والهوية. ومن خلال هذه المبادرة، يؤكد المهرجان التزامه المستمر برعاية المحتوى الذي يعكس تنوع التجارب الإنسانية، ويعزز الحوار الثقافي داخل المملكة وخارجها. وتتمثل أهداف المهرجان من تنظيم هذه الفعالية في:
- إبراز الأصوات السينمائية الجديدة، وتمكين صُنّاع الأفلام من مشاركة أعمالهم مع جمهور واسع ومتنوع
- تعزيز الثقافة البصرية في المجتمع، وإتاحة مساحة لمناقشة القضايا الاجتماعية والتاريخية من منظور فني
- بناء جسور بين السينما المحلية والعالمية عبر استضافة أفلام ومخرجين من مختلف البلدان
- دعم صناعة الأفلام الوثائقية كجزء أساسي من تطور المشهد السينمائي السعودي
- إيجاد منصة حوار وتبادل بين الجمهور وصُنّاع الأفلام، بما يغني التجربة السينمائية ويمنحها بعدًا معرفيًا وإنسانيًا
حي جميل للعروض السينمائية
مركز سينمائي مستقل، والأول من نوعه في المملكة، احتضن النسخة الثالثة من أيام الفيلم الوثائقي بمنتهى الأناقة والبساطة. المكان بحد ذاته يروي حكاية، فمنذ افتتاحه وهو يشكّل نقطة التقاء بين الفن، والجمهور، وصنّاع الأفلام، في أجواء تحتفي بالسينما كفعل ثقافي حيّ. وقد ساهم حي جميل في إنجاح هذه التجربة السينمائية الاستثنائية من خلال:
- توفير بيئة عرض متخصصة تجمع بين التقنية العالية والطابع الحميمي، ما أضفى على العروض طابعًا إنسانيًا أقرب إلى القلب.
- الاحتضان الكامل للنقاشات والمداخلات الحية بين الجمهور والمخرجين، مما جعل من كل عرض فرصة للحوار والتأمل.
- موقعه كمركز ثقافي شامل يحتفي بالفنون البصرية والتصميم، ما عزز من تكامل التجربة الفنية للزوار.
- كونه منصة مستمرة للفن المحلي والعالمي، ما يجعل كل فعالية فيه امتدادًا طبيعيًا لرؤية ثقافية أوسع تُشجّع الاكتشاف والمشاركة.
برنامج فعاليات أيام الفيلم الوثائقي
ضمّ البرنامج 11 فيلمًا وثائقيًا من جنسيات متعدّدة، عبّر كل واحد منها عن منظور فني وإنساني خاص، من فلسطين إلى الولايات المتحدة، ومن أعماق عسير إلى الفاتيكان، في رحلة بصرية وثقافية تأخذ الجمهور من الدهشة إلى التأمل.
أفلام سعودية
- عندما يشعّ الضوء – يوثق رحلة الأمير فيصل بن عبد الله ودوره في تأسيس مؤسسة ليان الثقافية، حيث يشكّل الفيلم احتفاءً بدور الفن في حفظ التراث الوطني.
- ذاكرة عسير – للمخرج سعيد طحيطح، يعرض حكاية محمد عبد المتعالي، الجامع الشغوف للوثائق والمخطوطات، ويأخذنا الفيلم في جولة بصرية نابضة بتاريخ عسير.
- عثمان في الفاتيكان – يرصد المسار الفني المدهش للفنان عثمان الخزيم، من مدينة الخرج إلى قاعات الفاتيكان في إيطاليا.
- الروشان – بعدسة محمد أوس، يتتبع الفيلم حكاية الروشان الحجازي وأسراره الفنية والمعمارية.
- كيموكازي – يروي قصة حياة الفنان الجرافيتي السعودي كيمو، والهوية التي شكّلها على جدران المدينة.
أفلام عربية
- يلا باركور – للمخرجة الفلسطينية عريب زعيتر، قصة شاب من غزة يمارس الباركور، ويصطدم بثقل الحصار وتحديات الحياة اليومية.
- احكيلهم عنّا – من الأردن، للمخرجة رند بيروتي، يوثق معاناة فتيات مهاجرات في ألمانيا في محاولات التأقلم مع مجتمع جديد.
- رفعت عيني للسماء – من مصر، للمخرجَين ندى رياض وأيمن الأمير، يتناول تجربة مجموعة من الفتيات القبطيات في جنوب مصر وتأسيسهن لفرقة مسرحية تواجه المجتمع والتقاليد.
أفلام عالمية

- 4 فتيات صغيرات – للمخرج العالمي سبايك لي، فيلم تاريخي قوي يستعرض تفجير كنيسة في برمنغهام عام 1963 ومقتل 4 فتيات صغيرات، ما مثّل نقطة تحول في مسار الحقوق المدنية بأمريكا.
- داهومي – من أفريقيا، للمخرجة ماتي ديوب، يعرض استعادة 26 كنزًا ملكيًا أفريقيًا من فرنسا، مسلطًا الضوء على الذاكرة الاستعمارية ومفهوم العدالة التاريخية.
- ماي واي – فيلم موسيقي فرنسي، يتتبّع قصة الأغنية الشهيرة التي غناها فرانك سيناترا، ويحمل الفيلم أبعادًا ثقافية حول الانتقال من الحلم الأوروبي إلى الصوت العالمي.
مشاركة منصة مفلم في أيام الفيلم الوثائقي
كانت لمسة مفلم السعودية حاضرة عبر مشاركتها في فعالية حوار، التي خُصصت هذا العام للحديث عن دور المرأة في صناعة الأفلام الوثائقية. الفعالية قدّمت مساحة مفتوحة للنقاش حول التحديات التي تواجهها المخرجات، وأهمية تمثيل الصوت النسائي خلف الكاميرا، لا في القضايا النسائية فقط، بل في مختلف مجالات السرد البصري.
ختاما، كانت أيام الفيلم الوثائقي لهذا العام تجربة مختلفة، جمعت بين القصص والصورة في أجواء قريبة من القلب. تنوع الأفلام وتنظيم الفعالية قدّموا للجمهور فرصة حقيقية لاكتشاف زوايا جديدة من العالم. ومع كل عام، تزداد قيمة هذه الأيام في دعم السينما وصانعيها.
للمهتمين بكل ما هو جديد في عالم الفعاليات، والثقافة، والعقارات في المملكة، ندعوكم لمتابعة مدونة بيوت السعودية، وجهتكم الأولى للمحتوى الموثوق والمميز. نغطي أهم الأحداث والمشاريع، ونقدّم مقالات ثرية مثل مقالة ورشة عمل أساليب السرد السينمائي. تابعونا وكونوا دائمًا في قلب الحدث!